• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الاغتيال.. جريمة تفتك بالمجتمعات الإنسانية

باسم حسين الزيدي

الاغتيال.. جريمة تفتك بالمجتمعات الإنسانية

لا أحد يملك الحقّ في منع الآخر من حرّية التفكير والتعبير عن آرائه أو مصادرة حقوقه وما يعتقد به أو فرض أفكار وتوجهات خاصّة عليه بالإكراه والتهديد، هذه وغيرها من أبسط الحقوق التي من المفترض أن يتساوى بها الإنسان مع نظيره من الخلق أو أخيه في الدِّين، وهي ما فطر الخالق (عزّوجلّ) البشرية والمجتمعات الإنسانية عليه، لكنّ في حقيقة التطبيق تجد أنّ الواقع يختلف كثيراً عمّا أرادت السماء لأهل الأرض.

إنّ مصاديق ما تقدّم أكثر من أن تُحصى، ولعلّ من الأمثلة عليها هو (الاغتيال) بصورته العامّة و(الاغتيال السياسي) بصورته الخاصّة، والذي يلجأ إليه أصحاب الغدر والجهل والتطرّف في تصفية خصومهم بالقتل أو الاعتقال والتعذيب أو بالكذب والتشهير وغيرها من مسالك الشرّ التي تهدف إلى تسقيط وإلغاء الآخر عن طريق العنف.

وقد عُرّف الاغتيال بمعناه العام بأنّه «مصطلح يستعمل لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية مهمّة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون مرتكز عملية الاغتيال عادة أسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية تستهدف شخصاً معيناً يعتبره منظمو عملية الاغتيال عائقاً لهم في طريق انتشار أوسع لأفكارهم أو أهدافهم».

حكم الاغتيال في الإسلام

جاء الدِّين الإسلامي الحنيف ليخلص الناس من التعصّب والتطرّف والعنف والجاهلية وكلّ الأعراف والتقاليد البالية التي تتنافى وفطرة الإنسان السليمة في حبّ الخير والدعوة للسلم والسلام والحرّية، وقد نهى الإسلام الغيلة أو الغدر في مواجهة الخصوم أو مَن يختلف معك في أي جانب من جوانب الحياة، لأنّ العنف لا يولد سوى المزيد من العنف والكراهية، ولابدّ للإنسان أن يبحث عن بدائل أُخرى لحل الخلافات بدلاً من سفك الدماء أو الغدر أو التسقيط.

وقد بيّن المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيِّد صادق الحسيني الشيرازي، في معرض سؤاله عن حكم الاغتيال من وجهة نظر الإسلام، والنُّظم الأُخرى، بأنّ «الغدر منهي عنه في الإسلام، وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) كلمته المعروفة: (يا أيّها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ألا أنّ لكلّ غدرة فجرة، ولكلّ فجرة كفرة، ألا وأنّ الغدر الفجور والخيانة في النار)، ونجد في التاريخ أنّ الفرصة أُتيحت لـ(مسلم بن عقيل) - رسول الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة - للغدر بـ(عبيدالله بن زياد) إلّا أنّه امتنع من ذلك وقال: (المؤمن لا يغدر)».

الاغتيال المعنوي

الاغتيال بكلّ اشكاله وطُرق تنفيذه تعتبر من الجرائم البشعة التي لا تمت للإنسانية بصلة أو وشيجة، لكنّ الأكثر قسوة منها هو اغتيال المفكّر أو الأديب أو المثقف أو العَالم حيّاً!

نعم هناك طُرق أكثر قسوة ووحشية من القتل بالرصاص أو السم أو التعذيب، فالتشهير والكذب والتدليس وتشويه السمعة وقلب الحقائق التي تستهدف العظماء في أي أُمّة من الأُمم، خصوصاً في حياتهم، قد تقتل هذا العَالم أو المفكّر الآف المرّات قبل أن يموت همّاً وحسرة ممّا تعرّض له من تشويه مستمر قد يستمر لما بعد مماته وتصبح هذه الأكاذيب حقائق ومن المُسلَّمات بمرور بتقادم الزمن. ويُعرف هذا النوع من الاغتيال بـ«اغتيال الشخصية (Characterassassination)» ويعرف بأنّه عملية متعمدة ومستمرة تهدف لتدمير مصداقية وسمعة شخص أو مؤسّسة أو منظمة أو مجموعة اجتماعية أو أُمّة، ويستخدم وكلاء أو عملاء اغتيال الشخصية مزيج من الطرق المفتوحة والخفيفة لتحقيق أهدافهم، مثل رفع الاتهامات الكاذبة، وزرع الشائعات وتعزيزها، والتلاعب بالمعلومات.

اغتيال الشخصية هو محاولة لتشويه سمعة الشخص، وقد ينطوي على المبالغة أو تضليل نصف الحقائق أو التلاعب بالحقائق لتقديم صورة غير صحيحة للشخص المستهدف، بل هو شكل من أشكال التشهير ويمكن أن يكون شكلاً من أشكال الشخصنة.

أمّا بالنسبة للأفراد الذين يتم استهدافهم في محاولات اغتيال الشخصية، فقد يؤدّي ذلك إلى رفضهم من قبل مجتمعهم أو أسرهم أو أفراد في حياتهم أو بيئة عملهم، وكثيراً ما يصعب عكس أو تصحيح هذه الأعمال، وتشبه العملية عملية الاغتيال الاحترافي للحياة البشرية، ويمكن أنّ تستمر الأضرار لآخر العمر، أو للرموز التاريخية، لعدة قرون بعد وفاتهم.

الخلاصة

لا يمكن أن يكون الاغتيال (سياسي، ديني، معنوي، اقتصادي، ثقافي.. إلخ) هو المفتاح لحلّ القضايا الخلافية أو الفيصل بين المتخاصمين على الإطلاق، الحل يكمن فقط في تطبيق ثقافة الحوار والبحث عن النقاط المشتركة بين المختلفين فكرياً أو عقائدياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً بدلاً من البحث عن الصدام والصراع واللجوء إلى العنف والاغتيال للتخلّص من الخصوم، وهذا العمل لا يقتصر في معناه وتطبيقه على الفرد بل يشمل الجميع بما فيها الحكومات والمؤسّسات والمنظمات بمختلف توجهاتها وتسمياتها.

وعليه نعتقد أنّ الجميع تقع عليه مسؤولية محاربة هذا الفكر المتطرّف الذي يقوم على إلغاء الآخر وحرمانه من حقّ التفكير والعمل بما يعتقد، بل وحرمانه من حقّ الحياة التي وهبها له الخالق من دون وجه حقّ إفساداً في الأرض وتخريباً للقيم الإنسانية السامية التي جبل عليها بني البشر، ولا يتحقّق ذلك إلّا من خلال:

1- اعتماد الحوار كثقافة عالمية يمكن الركون إليها في حل جميع الخلافات والخصومات مهما كانت كبيرة وعميقة.

2- محاربة مسبّبات اللجوء إلى التصفية والاغتيال، ومنها التخلّف والجهل والتعصّب والتطرّف وغيرها من المغذّيات للعنف.

3- تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في نشر ثقافة السلام والحوار ومكافحة الاغتيال بكلّ أشكاله من خلال تعريف المجتمعات بمخاطرة وما يؤدّي إليه من انهيار القيم الأخلاقية والإنسانية داخل هذه المجتمعات.

4- تشريع قوانين أكثر صرامة في التصدي لهذه العمليات التي من شأنها تدمير المجتمعات وقتل الإبداع وحرّية التفكير فيها.

5- أبعاد الخصومات السياسية للأحزاب أو الحركات أو أصحاب القرار السياسي عن اللجوء إلى أساليب العنف والاغتيال في تصفية مَن يعارضهم أو يخالفهم في التوجه.

6- توفير حماية قانونية ومعنوية للنشطاء والمفكرين والأُدباء والمثقفين وغيرهم حتى لا يكونوا هدفاً سهلاً للمتنفذين للتخلّص منهم والإفلات من العقاب.

ارسال التعليق

Top